1. Home
  2. /
  3. الاخبار
  4. /
  5. اخبار شعبنا
  6. /
  7. مرور عشرين سنة على...

مرور عشرين سنة على وفاة الأب يوسف حبي… ذكريات شخصية وخاطرة عن الكنيسة

الكاردينال لويس روفائيل ساكو

عرفتُ الأب حبي شخصياً وعن كثب كإكليريكي في سنواتي الأخيرة في الموصل، وككاهن عشتُ معه في دار المطرانية، ثم كخوري رعية. كذلك عملتُ معه في بغداد حيث كان عميد كلية بابل للفلسفة واللاهوت التي أسسها المثلث الرحمات البطريرك مار روفائيل بيداويد سنة 1991، وكنتُ مدرساً ثم مديراً للمعهد الكهنوتي البطريركي 1997-2001.

كان يزور أهلي في بيتنا بـ “حي الساعة”، ونزور اُمه وأخته ابتهاج  في مشتملها القريب من دار المطرانية. اشتركنا في عدة مؤتمرات داخل العراق وخارجه وايضا في عدة نشاطات راعوية وثقافية.

.كان المرحوم الاب حبي،  يتحلى بصفات عديدة: إنسانية وإجتماعية. كانت  له علاقات وصداقات غريبة عجيبة مع  حس الفكاهة والنكتة. كان سخياً لا يرد طلباً لأحد،  ومثقفاً ثقافة اكاديمية.  اصدر عدة كتب تأليفاً وتعريباً. كانت له المقدرة على  كتابة اي موضوع تطلبه منه!  كان منفتحاً ومتواضعأ، وبسيطاً في ملبسه ومسكنه، لكنه  كان طموحاً ومغامراً تنقصه أحيانا الحكمة والتروي.   كان يحبُّ الحياة والابتسامة دوما على شفتيه. كنا نتفق ونختلف في الآراء، لكننا لم نتقاطع.  اتذكر عندما رَشَّح لعضوية المجلس الوطني، قلت له: أبونا، هذا ليس مجالك ولا يليق بك، اني لن اصوِّت لك. اجابني الله كريم سوف نرى.  وفعلاً لم يفز! مرة رفعنا صوتنا على بعض في موضوع منشور في مجلة “الفكر المسيحي” وهدد بغلقها، فقلت هذه ليست شطارة واختلفنا، ولكن بعد نصف ساعة ذهبت اليه واعتذرت فاجابني: لقد سبقتني!.

أحبَّ الاب حبي العراق بكل جوارحه خصوصاً ان الحرب الايرانية العراقية التي استغرقت 8 سنوات (1980-1988) قد اثقلت كاهل الناس وكذلك الحرب مع الكويت 1991 والحصار الاقتصادي الذي دام 13 سنة.

احبَّ الأب حبي الكنيسة الكلدانية  كثيرا وكان حريصاً على تقدمها وازدهارها، وجاهد من أجل تجديدها وتقدمها مما خلق له مشاكل.

كان يحب السفر. وقبل الحادث بأشهر كان في روما وكتب الي رسالة في 18 اذار 2000، يقول فيها:

” الاخ والصديق العزيز الأب لويس.. تحية بالرب.. اكتب اليك ليلاً.. أملي انك تمكَّنت من حلّ الأزمة في الكلية (كلية بابل)… انا شخصياً لستُ أعرف ماذا سأفعل لدى عودتي.. وربما أتاخر لأن لابد ان تُجرى لي عملية العينين. والامر قد يستغرق وقتاً.

وبخصوص الكنيسة يذكر بمرارة: “الامور لا تزال غامضة، والواحد يلقي اللوم على الآخر ونحن الضحية مع التهم والظلم.. لنصلِّ”.

فعلا ظُلِمَ الرجل،  إذ رُشِّح مرتين للاُسقفية لكنه أخفق!

عاد بعد عملية العينين من دون عويناته الثخينة يقول والضحكة صاخبة: انا ولدتُ من جديد. يا للفرحة

دعاني مع بعض الأصدقاء للعشاء في كلية بابل. ليلة  سفره الى روما 15 تشرين الأول 2000.  وكان الجو ممطرا. الححت عليه بالغاء السفر خصوصاً ان الدوام بدأ في كلية بابل، مؤكداً على مدى حاجة الكلية لوجوده، أكثر من حاجة المعهد الشرقي بروما. ولاحظت لعدم إرتياحه لهذا السفر، لكنه أصرَّ على الذهاب، ثم ودعته وسافر بعد منتصف الليل  بالسيارة عن طريق الاردن.

صُدِمنا في اليوم التالي بخبر وفاته اثر حادث مروري بقرب من مدينة الزرقاء الاردنية.  وعندما دخل  نعشه العراق ذهبت مع تلاميذ المعهد وبعض الكهنة لاستقباله  في الانبار. ثم قمتُ مع آخرين بترتيب مراسيم التشييع والدفن وكان كرنفالاً مهيبا. اشترك فيه عدد كبير من الشخصيات الكنسية والرسمية. والمحبين من مسيحيين ومسلمين.

غادرنا الأب حبي لكنه بقي حياً في ذاكرتنا وفي ما خلَّفه من كتابات.

كتب في يومياته عن الكنيسة في 10/11/1973: ” كنيستنا في العراق… ليس ثمة ايمان بالعمل الجماعي مطلقاً، انما هو العمل الفردي المتفرد والاناني ايضاً. ليس ثمة لجنة واحدة بالمعنى الصحيح، بل ثمة معارضة لمبدأ اشراك الغير في العمل. اما التخطيط فناقص على الصعيد العام اذ ان ثقل الكنيسة وارتباطها في القضايا لا يتيح لها ان تفكر بالمستقبل. فنعيش في الماضي اكثر منه في الحاضر. ولا تشكل اللجان فتبقى القضايا في امور يكون الناس قد إجتازوها لسنوات. عندنا الامور أسوأ بكثير، لأن عقلية التمشية هي السائدة، وهي متأتية من الكسل عادة، فالكل يريدون فقط ان تمشي الامور على علّاتها. أما التنسيق فليس ثمة تخطيط مركَّز ودقيق ولا تجري الاستعانة بالعلمانيين وهي سمة غير موفقة.. عندنا الكاهن هو كل شيء، وكل كاهن يصلح لكل شيء.

ابونا يوسف، رحمك الله برحمته الواسعة ورحمنا نحن لكي نكنون انسانيين ومتضامنين ومتعاونين لخير المجتمع والكنيسى كما كنت تتمنى وتسعى اليه.

zowaa.org

menu_en