1. Home
  2. /
  3. الاخبار
  4. /
  5. الوطنية والدولية
  6. /
  7. تخللته رموز ونقوش بابلية...

تخللته رموز ونقوش بابلية وآشورية وسومرية… أحلام الحرية في نصب جواد سليم “نصب الحرية”

زوعا اورغ/ متابعات

كان همُّ جواد سليم، وهو يضع خطوط جداريته على الورق، أن يقدّم العراق من جديد، وقد تبدّت في عيون العراقيين مرافئ الأمل والحرية،

وانفتحت لهم آفاقٌ تعد بعالمٍ طالما راودت في علم الجمال أحلام الفنان والكوكبة المتطلعة من مجايليه المثقفين، فنانين وكتابا وشعراء، أطباء وأكاديميين ومهندسين، ومن كل عراقيٍ هدّه التوق إلى ما كانت تردده أغاني الحالمين، والمتوارين عن الأنظار، المتسلّلين بحذر بين الجموع يعدون بمضاءاتها التي تفصل بين عالم الأسر والاستغلال، وفضاء الحرية والعدالة الاجتماعية ورحاب النماء الفكري والإبداعي. يومها، لم يكن جواد سليم، كما مجايليه من المبدعين، يفكرون بغير “ثيمات” الحرية والنهوض والانعتاق من كل قيدٍ، لم يكن في مخيّلته وهو يسترجع ما تراكم من اندفاعاتٍ مكلفةٍ، وتضحياتٍ وتآزرٍ وتعاهدٍ على المضي حتى انزياحِ آخر خيطٍ من ظلمات العهود السحيقة، ومن ويلاتها، سوى ترميز تاريخها وتحويلها إلى قوة دفعٍ نحو أفقٍ أكثـر اتساعاً، ومساحة مضيئة اشد سطوعاً، على حد تعبير الكاتب فخري كريم رئيس مؤسسة المدى. ولاهمية جواد سليم اقام بيت المدى في شارع المتنبي جلسته الاسبوعية عنه.

الزعيم وفكرة النصب

قدم للجلسة الباحث رفعة عبد الرزاق فقال:- اخترنا الفنان الكبير جواد سليم هذه المرة لانه كان واحدا ممن يحلم بالحرية والاحتجاج والوقوف مع الشعب. وقد صنع نصبا تاريخيا في ساحة التحرير يذكرنا بالوطن والشعب. نصب الحرية اصبح رمزا لانتفاضة تشرين والتظاهرات التي تحيط به من كل جانب. فكرة النصب تبلورت لدى مجلس امانة العاصمة في بغداد عام 1959 عندما طلب الزعيم عبد الكريم اقامة نصب ضخم. فكلف كبير مهندسي الامانة آنذاك رفعة الجادرجي والمعماري قحطان المدفعي مدير البلديات، الفنان الكبير جواد سليم لاقامة هذا المشروع الكبير. وشارك الجادرجي فيه بتصمم الحائط او (اللافتة) التي احتضنت النصب. ويذكر ان (اللافتة) بطول خمسين مترا وعدد التماثيل كان 14. وجواد لم ير نصبه عند الافتتاح لانه توفي قبل تعليقه، فأكمله تلميذه الفنان محمد غني حكمت. والآن اصبح النصب محركا للانتفاضة وايقونة للتحرير والتصدي للظلم والفساد. لذلك سيكون حديثنا اليوم عنه وعن جموع المتظاهرين تحته. واذكر ان الفنان محمود صبري اراد ان ينفذ مشروعا كبيرا على ظهر النصب من الجهة المطلة على حديقة الامة لكن المشروع لم ينفذ.

نبوءة جواد سليم

الناقد د. جواد الزيدي قال:- يجب قراءة مشهد التظاهرات قراءة تبتعد عن نظرة جبرا وشاكر آل سعيد وعادل كامل. قراءة تربط بين الاعتصامات والتظاهرات التي شهدها منذ عام 2011 ولحد الآن. وهو نصب مفتوح على كثير من الآراء النقدية والتأويلات المعاصرة. ويقال ان جوادا كان يفكر بالنصب منذ عام1947 وليس عندما كلف به. كما يدعونا لقراءة موروثات جواد التاريخية في الرسم ايضا، عندما قلب اوراق الواسطي واستفاد منها في اللون وغيرها. وكذلك المسلات العراقية القديمة. النصب يمثل واحدا من التناصات المهمة في اتجاهين الاول تناص حضارات الآشوريين والسومريين. والثاني التناص المعاصر الذي يعتمد على الخزين الفكري لجواد سليم وموهبته الفنية. كما انه استطاع ان يلتقط صورا من المستقبل بثها في نصبه. مما يدلل على ان جوادا لديه نبوءة متقدمة جدا في الحرية والاحتجاج والتمرد، وهو ما نراه فعليا اليوم في ساحة التحرير. كان المخيال لديه عنصرا فعالا للمستقبل وكأنه يعيش بيننا الآن هذا الفنان الخالد.

روح جواد تسكن نصب الحرية

النحات عبد الكريم خليل قال:- صمم اتجاه النصب المهندس البارع رفعة الجادرجي. حين طلب الزعيم نصبا للثورة. وفي تداوله مع جواد اشار الى انه سيحتل خمسين مترا وهو نصب لم يعمل مثله منذ الآشوريين. ويمثل الثورات العراقية في الماضي والحاضر. وكان جواد نحاتا ورساما لكنه مريض بالقلب ومتعب، والنصب يحتاج لجهد فكري وعضلي. لذا اخذ يستجمع قواه لتنفيذ العمل، الذي دفع ثمنا باهظا من اجله ورحل قبل ان يراه. وجسد فيه تأثيرات آشور وسومر والرؤية المعاصرة. لاسيما انه تعلم الفن وتأثر من نبع فن وفناني بريطانيا.. وكان وطنيا وطيبا ونبيلا.. نصب الحرية اخذ روح جواد والآن روح جواد سكنت فيه. ومع الاسف لم تتكحل عيناه برؤية النصب. ودورنا اليوم المحافظةعليه..

زاوج بين علم الجمال والتاريخ

اما الكاتب “طه رشيد” فقال:- نشأ سليم في عائلة فنية ذات ثقافة متشعبة. واستطاع عبر دراسته وموهبته ان يقدم فنا اصيلا يضاهي الفنون العالمية. زاوج فيه بين فن الحاضر والتاريخ واستلهم التراث وقدمه بصيغة معاصرة. “نصب الحرية” خلده لانه سرد فيه احداث تاريخ العراق ومازج فيه بين القِدَم والحداثة، بحيث تخللته رموز ونقوش بابلية وآشورية وسومرية، مستفيدا من الفكر اليساري الذي كان سائدا آنذاك، والنظريات الجديدة في علم الجمال، والفلسفة المادية الديالكتيكية، وهموم الكادحين وشغيلة اليد والفكر، ما جعله منسجما روحا وفكرا مع ثورة 14 تموز 1958. كما كان فنانا عضويا بحق كما عبر غرامشي عن دور الفنان في المجتمع. ومن قراءة بسيطة للنصب سنجد وعيا وحرفية ومقدرة فذة في تجسيد تطلعات الشعب. كما لاحظ حشود الجماهير في الاحتفالات الوطنية كما التظاهرة المليونية بعيد العمال عام 1959. فضمن نصبه العامل والفلاح والجندي والموظف.. تشكل النصب من 14 قطعة برونزية منفصلة لكنها متصلة بمعناها التاريخي.. يبدأ المشهد بالحصان دلالة على الغليان والتمرد، وينتهي المقطع الاول بسقوط الشهيد. ليتوسط العمل مشهدا مؤثرا عن الجندي الذي يكسر قضبان السجن في وسط النصب، لما فيه من قوة واصرار ونقطة تحول، تنقل قصة النصب من مرحلة الاضطراب والغضب الى مرحلة السلام والازدهار.

النصب صار ملجأ للثوار

وقال د. زهير البياتي:- جواد تحول الى رمز ثقافي كبير ليس في العراق حسب بل في العالم. نصب الحرية كان ملهما لفناني المسرح كما فعل الفنان د.عقيل مهدي في مسرحيته (جواد سليم يرتقي برج بابل)، تناول فيها معاناة جواد اثناء عمله بالنصب. ونظرته التفاؤلية المتفتحة للمستقبل. واكد ان النصب سيظل خالدا، ويرمز لتحرر الشعب وقواه الوطنية. وهاهي الايام تجمع تظاهرات تشرين اليه من جديد. تماما كما استلهم سعدي يوسف جدارية فائق حسن في بعض قصائده. هذا النصب العظيم اراد منه سليم ان يكون ملجأ للثوار الوطنيين والمنتفضين من اجل الحرية.

نصب 14 تموز

وقال المؤرشف هادي الطائي:- النصب اسمه نصب 14 تموز. وكشف عن وثيقة تدل عليه. وذكر ان الزعيم قال (رحل عنا جواد سليم قبل نصبه. وهو فنان قدير ونثمن عمله الخالد لانه فنان عمل لأمته ووطنه). واذكر قيل للزعيم (ان النصب من الحديد وان الايام ستمحيه، فضحك الزعيم وقال ان العراقيين يقرأون الممحي).

تحويل المطعم التركي إلى متحف للثوار

وقال د. بكر عبد الحق:- سلاما للمتظاهرين تحت النصب، ايقونة جواد سليم الذي صار مكانا للثورة والانتفاضة، ورمزا وروحا لبغداد اليوم. سابقا كانت بغداد مليئة بالتماثيل الاجنبية لكن جوادا ومن بعده غني حكمت ملأوا بغداد بنصب عراقية. ونصب الحرية فعلا تسكنه روح جواد سليم وخالدة فيه الى ابد الدهر. وقال د. جبار محيبس:- المطعم التركي صار ايضا رمزا كما نصب الحرية، لانه يحتضن ثوار تشرين. واطالب باقامة نصب آخر للانتفاضة مجاور نصب الحرية. وتحويل المطعم التركي الى متحف وطني.

zowaa.org

menu_en