1. Home
  2. /
  3. برج بيسقين

برج بيسقين

لــطيف بــولا

برج بيسقين ( قصرا ) الذي شيده بندق قس ميخائيل يوحانا البازي ,والد جدي جبو , في النصف الثاني من القرن التاسع عشر على مرتفعات جبل بيسقين المطلة على الوادِ حيث كانت تلك الجنينة الساحرة , محاطة بسور كبير فيه باب من خشب الجوز .عمل اجدادنا في هذا البستان حتى عام 1933م , السنة التي حلت بها مجزرة سميل ,وعلى اثرها امر جدي جبو اولاده : ميخا , هرمز ورحيم بتركها بعد ان شملت المذابح قرى شعبنا القريبة من بيسقين ..بيسقين قلعة الثوار التي كانت اُمي انو جبو بندق قس ميخائيل يوحانا البازي تلهج بذكرها لانها هناك ترعرعت وقضت طفولتها مع اخوتها وأبويها .كانوا يخرجون كل فجر من بيتهم في محلة أودو في القوش لتشرق عليهم الشمس وهم على قمة الجبل ثم ينحدرون الى وادِ خاتونية ومن هنالك يدخلون في وهدة بيسقين الساحرة حيث بستانهم في لفح جبلها والبرج الشامخ ( قصرا ) على مرتفعات جبل بيسقين …لطالما سألت نفسي : اي إرادة واي تصميم واي جبروت كان لأجدادنا ليشيدوا مثل هذا البرج الشامخ والذي كان بمثابة قلعة حصينة وبرج للمراقبة مطلاً على الوادِ وله منافذ للمراقبة في كل الاتجاهات وفي هذا العلو وبهذه الحجارة الضخمة .كان ثمة أثر لكور لصناعة الجص في اسفل الوادي كنا نشاهده اثناء مجيئنا الى بيسقين قبل عدة سنوات مضت ,لعله كان آتونا او مكاناً لصنع الجص كمادة لبناء البرج بالجص والحجارة الضخمة .ولم يعد لذلك المكان من اثر بعد شق الطريق في وهدة بيسقين ازيل الأثر المذكور مع مئات الاشجار الضخمة للبلوط وحبة الخضرة واللوز. وكان البرج قد تعرض لقصف الطائرات وقد شاهدت قبل عدة سنوات قبرين داخل البرج قيل ان الشهيدين قتلا بفعل قصف الطائرات للبرج وماحولها من قواعد للثوار في بيسقين .. ولولا قصف الطائرة للبرج ( قصرا) لكان قد حافظ على جودته وعظمته لحد هذا اليوم .وكانت بيسقين قلعة للثوار منذ القدم, كما كانت منذ بداية الستينيات من القرن العشرين حينما كانت الفصائل بقيادة القائد الخالد توما توماس تقارع الانظمة الدكتاتورية . في بداية القرن العشرين كان يوسف بندق قس ميخائيل يوحانا البازي , شقيق جدي جبو ،أيضا يقود مقاومة ضد الجاندرمة التركية التي كانت تلاحقهم في كل مكان .وكانت بيسقين خير ملاذ لهم. ونقلا عن المرحوم شمعون طعان الذي كان من رجال يوسف بندق ,كما ذكرت والدتي نقلا عن ابيها جبو , ان شمعون طعان ذكر له بأن اخيه يوسف بندق الذي عجزت الجاندرمة عن

النيل منه, دبروا له مكيدة لقتله استطاع ان ينجو منهم في الاولى فدبروا له مكيدة اخرى نفذها ثلاثة من العملاء من داخل القوش تمكنوا من دس السم في شرابه . وقال المرحوم شمعون طعان: عاد يوسف بندق من القوش وكان قد دعي الى وليمة, وراح يتقيء ثم اخبرني ( والكلام للمرحوم شمعون طعان ) أي اخبره يوسف بندق عن ثلاثة اشخاص ( ذكر اسماءهم ) دسوا له السم . وطلب من المرحوم شمعون طعان ان لا يخبر اخاه جبو بالموضوع ولكن اذا تمكن من استرجاع صحته سينتقم منهم.. لكنه مات بفعل السم .وكان ذلك القائد ضحية مؤامرة من عملاء من داخل بلدته التي كان يقاتل من اجل كرامتها .ثم تمكنت الجاندرمة ايضا من قتل ابنه الياس الذي لم يكن اقل شجاعة من والده . .وكان من رجال يوسف بندق ثوار من القوش والاخوة الايزيدية من القرى المجاورة . وكان في بيسقين, حسب ما ذكرت والدتي, خمس برك ماء تمولها ينابيع بمياه عذبه وترتبط بسواقِ لسقي البستان التي كانت تزرع بانواع من الفاكهة والخضراوات .كانت احدى السواقي تمر من خلال كوخ بناه جدي ليكون بمثابة حمام يدخل الماء من جهته الشمالية ويخرج من الجهة المقابلة .وحدثني المرحوم سلو لاسو عن جدي جبو وعمله الدؤوب في تلك الجنينة وقال: ان اُمَّه كانت تحمله على ظهرها الى بستان بيسقين عند العم جبو . وحدثني ايضا المرحوم الراهب مقاريس عن جبو ( جدي ) اذ قال لي :كان رئيس الدير يأخذنا نحن الرهبان الجدد ( مدَشنًنٍْا مدشنانِ ) الى العم جبو في بستان بيسقين( في العشرينات من القرن العشرين ) لنستمع الى احاديثه الشيقة ونأكل من اثمارها اللذيذة . ولازالت اشجار التوت الضخمة شامخة في بيسقين رغم الحرائق وفؤوس الحطابين .ذكرت والدتي ان بستان بيسقين كان فيها انواع جيدة جدا من اشجار التين وكانت واحدة منها منها على حافة البركة تسمى تينة رملى ( ورملى هي جدتي ) وكانت احسن كل الاشجار في البستان .ذكر لي الصديق يونس قوجا الذي يكثر من زيارة بيسقين ان شخصا ذكر له ان على هذه البركة كانت تينة رائعة لا يستطيع رجل ان ياكل عدة تينات منها لكبر حجمها وحلاوتها .وكذلك كان يزرع فيها التبغ الفاخر بالاضافة الى الخضراوات والرقي والبطيخ واليقطين, وكانوا يجففون فيها العنب والتين .كان البستان محاطا باشجار البطم ( حبة الخضراء ) واللوز والبلوط والطاوك والصلم. لقد عبثت يد المخربين بما بناه وزرعه الاجداد ,ولا زالت فؤوس الحطابين تذبح بالاشجار والحرائق تدمر الطبيعة فلا من قانون ولا من رادع . لقد غدت مرتعا لوحوش سائبة بلا نظام ولا ثقافة ولا شعور بالمسؤولية .وليس بوسعي الا ان ابكي على بيسقين بابيات من قصيدتي :

عــش النســور

من ديواني السادس ( زقزقات في الغسق )

وتهاديـتُ فـي وادِ كطير حُرّ طليقٍ

وكتيـسِ جبليٍّ حيـن واجهـهُ الصعـودا

وهفوتُ الـى ((بيسقين)) وبقايا جنينةٍ

وسمعـتُ لفؤادي من الأعمـاقِ رعــودا

(بيسقين) يا أم الثوارِ! وكم أرضعتِ الأسودا

فقد أَجرمَ بنوكِ حين قطعــوا النُهــودا

كنــتِ ملاذاً للنجـاةِ، فمنحـوك الجحـودا

ولا أحسبه حراً من يتناســى الجــدودا

أطلالُ أين أهلها؟ لمـن بذلـوا الجهــودا؟

والبرج الشامخ يبكي مع الصخور شهـودا

لا زال النبعُ يسيل، والشحــرورُ مغــردا

كدمـعِ يتيمِ يجـري ليستـدَّر النشيــدا

لقد مجدتُ بيسقين ورجالها في ملحمة زهاء أربعمائة بيت شعر عنوانها ( ةَشعيةًٌا من القوش قصة من القوش) وكنت قد غنيتها على العود وسجلتها في كاسيت تسجيل عادي في البيت بناءا على طلب بعض الأصدقاء ,ونشرت الملحمة في ديواني الأول ( اَليوةًٌا عل خَيٍْا رثاءٌ على الحياة 2001م بغداد )وباللغة السريانية . ولم تسمح لي ظروفي كي اعيد تسجيلها ونشرها بشكل احسن, وعليه فانا حزين جدا لأنني لم انجز عملين مهمين لطالما فكرت بإنجازهما : الاول هو تسجيل هذه الملحمة الشعرية وطبعها ونشرها بشكل جيد والثاني هو أنني لم انفذ وعدي ايضا بتاليف كتاب عنوانه ( ماسمعته من اجدادي ) .فقد سمعت وحفظت كثير من القصص والحكايات والطرائف والحكم والاخبار, وكنت الوحيد بين اخوتي الذي حفظها وتاثر بها .لقد مرت السنين وانا مشغول باعمالي الخاصة انجزت عشرين كتابا وثلاثين البوما وعدد كبير من الكليبات والمسرحيات والاوپريبتات ..كل شيء تغير وتبدل نحو الاسوأ الظروف والوقت والصحة فلم يعد لي الوقت ولا الصحة ولا الروح المعنوية لأتفرغ لهذين العملين المهمين. ولن اغفر لنفسي على هذا الإهمال رغم ان الظروف حكمت علي ..ولازلت تتمادى في إجحافها….

Posted in غير مصنف

zowaa.org

menu_en