1. Home
  2. /
  3. اراء
  4. /
  5. مقالات
  6. /
  7. مشهدية حضور الخزعلي في...

مشهدية حضور الخزعلي في جنوب لبنان: رؤية عراقية

فادي كمال يوسف

يختلف الحشد الشعبي في العراق بمفهومه عن حزب الله في لبنان، وهذا الاختلاف يختلط في اغلب الاحيان على كثير من السياسيين والاعلاميين والمحللين خارج العراق، ودائما ما يحاولوا سواء كانوا مؤيدين للحشد أو يقفون ضده بربط الاثنين معا وكأنهما حالة واحدة ويعزى السبب في ذلك الى انهما نتجا عن بيئة حاضنة وفكر عقائدي متطابق.

 

اضعاف الدولة نحو الشعبوية

نجحت ايران بنقل تجربة الحرس الثوري الى لبنان بإنشاء حزب الله وتسليحه ودعمه اللامحدود، وفرضه امراً واقعاً مهيمناً متحكماً بمفاصل القرار السياسي بشكل اقرب الى المطلق.

في موازاة ذلك، ان زيارة قائد عصائب اهل الحق الشيخ قيس الخزعلي الى جنوب لبنان، وتصريحاته المثيرة للجدل لا تحمل فقط رسائل الى الداخل اللبناني بل هي بالأساس رسالة شديدة اللهجة الى الحكومة العراقية التي تسعى من جانبها الى انهاء الحشد الشعبي ومحاولة دمجه في القوات المسلحة العراقية تحت قيادة القائد العام للقوات المسلحة، وهذا ما ترفضه عدد من تلك الفصائل وخاصة المرتبطة بولائها المباشر العقائدي واللوجستي بإيران.

الحكومة العراقية تلقفت الرسالة بكثير من الحذر والانزعاج فهي لا ترغب بنقل تجربة حزب الله الى العراق. والقوى الشيعية وخاصة المنضوية تحت مرجعية السيد علي السيستاني، والتي لا تؤمن أساسا بولاية الفقيه، والتي تسعى لبناء دولة ضمن الأطر السياسية على أسس الشراكة مع المكونات الأخرى ولو شكلياً، ترفض بشكل قاطع نقل سلطة الدولة او حتى جزء منها الى قوى شعبوية مسلحة غير منضبطة، وجعل قرارات خطيرة كقرار السلم والحرب أو المسار الاقتصادي والتشريعي في البلاد تحت رحمتها.

 

رد الحكومة برفض اللبننة

إن تزامن نشر فيديو الخزعلي مع اعلان الحكومة النصر التام على داعش، جاء ليحمل كل تلك الرسائل انفة الذكر، ويبدو ان الحكومة فهمت الرسالة وجاء الرد بشكل غير مباشر ومن قنوات عدة ومن قلب الحشد الشعبي لتؤكد انها مع بناء الدولة القوية، فيما ترفض لبننة العراق ونقل التجربة الإيرانية اليه.

فجاء إعلان قوات أبي الفضل العباس إحدى فصائل الحشد الشعبي عن حل نفسها بعد إعلان النصر مباشرة كخطوة أولى ورسالة رد واضحة بأن الدور العسكري يحب ان تلعبه القوات الأمنية الرسمية وحدها. فقال أمينها العام أوس الخفاجي في بيان إنه “بعد أن تحقق النصر المؤزر والنهائي على زمر داعش الإرهابية، نضع كامل هذه القوات سواء المنخرطة بهيئة الحشد الشعبي أو حشد الدفاع وكل فرد من قواتنا أينما كان بإمرة القائد العام للقوات المسلحة وتصرفه بشكل كامل”، مضيفا أنه سيبقى في قيادة القوات بشكل مؤقت لحين تنسيب العبادي قائدا جديدا لها، “لنكون أول المبادرين إلى حصر السلاح بيد الدولة”.

وأتت كلمة السيد مقتدى الصدر والذي وجه عناصر سرايا السلام بتسليم السلاح إلى الدولة وغلق مقراتهم باستثناء المدنية منها، وتسليم المواقع المحررة عدا سامراء إلى القوات الأمنية في الإطار نفسه. وأشار الصدر الصدر إلى أن “خروج العراق من البند السابع يقتضي تجميد عمل المجاميع المسلحة التابعة لنا”، فيما أكد في كلمته أن “الجيش والقوات الأمنية عادت إلى هيبتها وقوتها بعد أن أراد بها البعض سوءاً”.

 

إيران ترفض حل “الحشد”

أما ايران فجاء رد فعلها واضح وصريح برفض حل الحشد حيث اعتبرت أن “مؤامرة” غربية تحاك لإعادة الفوضى بالعراق. وقال أمین المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني، إن الدعوات التي تطالب بحل الحشد “مؤامرة جديدة لإعادة انعدام الأمن والإرهاب الی المنطقة”، وهنا يبرز الدور الإيراني في محاولته لإضعاف وإفشال أي خطوة نحو بناء عراق قوي موحد، قادر على النهوض مرة أخرى. وبعكس ما يقوله الشمخاني فإن وجود هذا العدد الكبير من المليشيات الغير منضبطة والمدججة بالسلاح، والتي لا تخضع لقيادة واحدة وصريحة وواضحة سيسهم في استمرار الفوضى في العراق.

ويبدو أن الصورة التي ترسمها إيران لواقع المنطقة قد وضح تماماً: حرس ثوري منضبط ويخضع لقيادة مباشرة من الولي الفقيه خارج صيغة الدولة المألوفة لمنع أي تهديد يمكن ان يحدث لسلطة الولي الفقيه، كما حصل قبل سنوات في الانتخابات الإيرانية، وعراق بمثابة حديقة خلفية مفكك وتتصارع فيه المليشيات والتي يمكن أن تتحد في أي وقت يشاء الولي الفقيه لدرء أي خطر قد يهدد أمن الجار الإيراني، الذي سيحافظ دوماً على تشتت وتناحر هذه المليشيات واستمرار تغذيتها بالسلاح، ولبنان تحت قبضة حزب الله والذي سيهمن بشكل كامل على مفاصل الدولة تمهيدا لاعلان دولة صاحب الزمان التي بشر بها الشيخ الخزعلي!

 

مرجعية السيستاني والخيار الحاسم

يشدد نواب وسياسيون عراقيون على أن القرار الحاسم اصبح بيد المرجع الأعلى السيد علي السيستاني، والذي يترقب الكثيرون منه فتوى في الأيام القليلة القادمة بحل الحشد الشعبي، كونه هو من أوجده بفتوى الجهاد الكفائي التي أطلقها والتي انقذت العراق من داعش.

ويبدو ان الصراع بين مرجعيتي النجف وقم وبين نظريتي ولاية الفقيه وولاية الشعب، بات واضحاً للعيان وهو في مرحلة مفصلية، خاصة بعد انحياز أغلب فصائل الحشد لناحية مرجعية النجف واعلانه مديرية إعلام الحشد الشعبي امس الأحد، عن عزم قيادات الحشد تفويض أمرها للمرجع الديني علي السيستاني، في المرحلة القادمة بعد أن قاموا بواجبهم في قتال تنظيم داعش فيما تحدثت تقارير إعلامية عن أنه من المقرر وصول قيادات فصائل الحشد الشعبي إلى مكتب المرجعية؛ لإعلان تفويض أمر الحشد للمرجع علي السيستاني في المرحلة القادمة.

 

إن الموقف الذي سيلعبه المرجع الأعلى في الأيام القادمة سيكون حاسماً نحو بناء دولة مؤسسات قوية، وكما اعلن رئيس الوزراء حيدر العبادي فإن استقرار البلاد سيتيح الفرصة لبدء الخطوة الثانية في محاربة الفساد الذي يسيطر على مفاصل الدولة. وهنا يتضح مشهد اخر فاستمرار ضعف الدولة وتخبطها سيعرقل كل جهودها في محاربة الفساد وبالتالي إدخال البلاد في متاهات جديدة، وهنا سنميز بين من يحاول بناء العراق ومن يحاول زرع الفوضى، نحو تثبيت التجربة اللبنانية التي يحاول الخزعلي استحضارها من مشهدية ظهوره الأخير بالجنوب اللبناني.

نشر في موقع اليوم الثالث اللبناني

zowaa.org

menu_en