1. Home
  2. /
  3. اراء
  4. /
  5. مقالات
  6. /
  7. العراق والبحث عن الهوية  

العراق والبحث عن الهوية  

نيسان بيغازي

شهد العراق ازمنة حكم قاسية وفترات تاريخية مظلمة بسب تعمد الحكام الى ابقاء المشكلة العراقية ضمن الاطار النظري دون الممارسة الفعلية في ترسيخ الهوية الوطنية التي سقطت بسقوط نينوى وبابل لتبدأ مرحلة بلورة الهوية الفرعية وتكريسها في المجتمع، ويمكن تحديد هذه الفترات كالتالي :-

1 – الحكم الوطني التاريخي : من ضفاف النهرين حيث ميلاد الحضارة والمدنية سومرية – اكدية – بابلية – آشورية ومن بركة تلك الأرض الخصبة أرتوى شعب عظيم سبق باقي شعوب الكون الأخرى بنهضته القوية دامت لقرون طويلة بنيت على مبدأ الولاء للوطن باظهاره الهوية الوطنية وتجذيرها والانصهار فيها كأساس لتأمين حق المواطنة والتقارب المجتمعي لجميع المكونات التي كان  يحتضنها الوطن ، والمساواة بينهم وان اختلفوا في العرق او العبادة او اللغة ودافعوا عن هذا المبدأ المقدس لبسط الأمن والنظام والدفاع عن وحدة البلد الجغرافية والتاريخية المتماسكة مما خلق اندماجا سلساً بين مكوناته والانصراف لتحقيق التطور والابداع في الحياة فانجبت هذه الحضارة الباهرة في ماضيها الحي والخالدة في حاضرها لانها ماتزال تتحدث عن نفسها بشموخ .

ثم ما لبث ان دُكت صروحها من قبل غزو الغزاة بعد سقوط نينوى عام 612 ق.م وعلى يد الفرس بالتحالف مع البابليين الجدد ثم تلى بعدها سقوط بابل عام  539 ق.م وعلى يد حلفاء الامس ايضا.

2 – الحكم الاجنبي المحتل :-

بدأت حقبة سيادة الحكم الاجنبي على البلاد بسبب الاحداث التي عصفت في فترات متلاحقة بمحيط بلاد النهرين – العراق التاريخي – من هجمات متتالية الناجمة عن الحروب والمظالم وتغيير الحدود وفق المصالح ثم شملت العراق لموقعه الجغرافي وخيراته الوفيرة فخضع لتجاذبات قوى متناحرة وفدت اليه لتحوله الى ساحة تلتقي فيها شعوب متباينة في توجهاتها ومتمسكة بالخصوصيات والهويات القاتلة ، فنتج من كل ذلك خليط من ترسبات بشرية اوجدت واقعا تعدديا ومجتمعا غير متجانس ذات بنية مركبة وهذه المجاميع البشرية الوافدة والمتعددة في انتماءاتها وفرت المناخ الملائم والخصب الذي انعش قوة الولاءات الشاذة في المجتمع الجديد وكانت فاعلة في زيادة صراعاتها بحيث بات تحقيق السلم والاستقرار الاهلي فيها القضية الاصعب في الحياة السياسية والاجتماعية لانعدام الثقة المتبادلة بينها تقليديا والمتوارثة اصلا واستحالت لديها تحقيق التآلف والتصالح المجتمعي والانصهار في مفهوم وطني موحد كشرط اساسي لانجاح التعايش وكان لتصغير منطق الولاء الوطني وتبني الولاءات الفرعية والغيرة عليها من لانصهار التي خلقت الانطوائية على الذات الانانية ،ثم تحريك توجهات المجتمع نحو تكوين دولة بتبعية واضحة لهذه الجهة او تلك ضخمت من مشاكل البلاد وزادتها تعقيدا وساقته الى صراعات وحروب محتومة وجعلت منه ساحات دسائس تسيرها اهواء جانبية ومصالح شتى ميزت تاريخ العراق ومزقت نسيجه الاجتماعي واوقعته في فخ الاحتلال المتكرر للحكم الاجنبي بعد انهيار الحكم الوطني منذ ( 26 ) قرنا .

3 – الحكم اللاحكم الحديث :-

استمر سوء الحال مرورا بالاستقلال الى الحاضر من الاجيال وصار الوطن ارثا ثقيلا للمصاعب والمصائب اضرت بسمعته وفقد الكثيرمن مناعة مركزه بين الدول التي كان يوما في طليعتها وغدت موضع تذمر واستياء واثارة للمخاوف حول مصيره بسبب فشل الكيانات السياسية والاحزاب الطائفية على تحقيق الاصلاحات الحقيقية التي بشرت بها الشعب من خلال اعتماد الفدرالية والديمقراطية والحرية التي تختلف لديها في التطبيق عن ما هو موجود عند بقية خلق الله الذين يحترمون انفسهم وشعوبهم وتناسوا ان هذه المفاهيم لا يمكن ان تمارس في ظل الهيمنة العددية ووجود مؤسسات الامر الواقع التي تمكن المتنفذين من تحويل هذه المفاهيم الى وسيلة قهر على من هم دونها عددا او تختلف معها في الطائفة والعرق ولهذا رأينا ان الانتخابات النيابية في الدورات الماضية جاءت بنتائج معاكسة لمفهوم حرية التعبير عن الرأي واحترامه ولم تكن في الحقيقة الا تعينات باساليب ووساطات معينة تأتي جاهزة ومعلبة ولا تخلو من التزوير في ظل وجود مفوضية أسيرة بيد الكتل الكبيرة ، وتحول المفهوم الايجابي للتحالفات الى مفهوم التخالفات بقصد التآمر على الآخر وانتشر سرطان الفساد بشكله الخرافي في مفاصل الدولة  ، ولم تسلم كوتا الاقليات من جشع الكتل المتسلطة فاستغلت من قبلها بالضغط على القناعات الشخصية في حق الاختيار او في استجداء الاصوات من مناطق معينة بهدف ترجيح كفة قائمة ذات تبعية لها على قوائم اخرى لها ارادة حرة وقرارها المستقل للتعبير عن المكون في الكوتا .

هذه الممارسات وغيرها من التجاوزات التي لاتحصى جعلت الكتل السياسية والاحزاب الطائفية والتي تفعل ما لا تقول مكروهة من قبل الجماهير لعدم مصداقيتها في التعامل معها .

4 – البحث عن طوق النجاة : –

العراق وبحسب التجارب المريرة السابقة واخفاقاتها التي لم يتعض منها رجال السياسة بالتتابع  يستحيل بناءه بالانظمة المتخلفة البائدة القائمة على التسلط والاستبداد او بقبول حلول وسط بين مصالح النخب المتصارعة حاليا وفق المحاصصة الطائفية والشراكة  الحزبية وبمعزل عن ارادة الشعب التي سُرقت منه في الانتخابات السابقة وهو ليس الا مؤشر لحجم الخلافات المتأزمة بينها ودليل على رفض الجماهير التعامل على اساس الهويات الثانوية التي يؤمن بانها لم ولن تكون يوما طوقا لنجاة الوطن بل يكمن هذا النجاة بالاتفاق على الاعتراف صراحة باختلافات التنوع الديني والمذهبي الموجود واحترامه واجلاله ويترك الحكم عليه لارادة الرحمن لكن يجب التركيز بالوقوف الجاد عند الخلافات السياسية والحزبية التي هي من فعل الانسان القابلة للمناقشة والجدل بشأنها ونقطة للتلاقي والتفاهم لايجاد الحلول لها ، ويترك امرها للارادة الوطنية المتمثلة بالشعب مصدر السلطات كما ينص عليه الدستور وتدعيه الكتل والاحزاب السياسية في برامجها لترتيب شؤونه كما يراه لا كما تمليه ارادات جانبية تسعى الى الطغيان على المشهد السياسي العراقي باسم القومية او الدين او المذهب ولكي لا يُحمل الخلاف القائم تصعيدا وتشعبا اخطر لابد من ان يصار الى تقديم مقترحات وانضاج افكار ورؤى وبرامج اصلاحية من قبل المختصين والضالعين المخلصين وتفعيل دورهم في هذا المجال لضمان كيان الوطن من الانهيار وابعاد شعبه عن الصراعات والمناظرات الطائفية وتعمل لتحقيق التالي :-

1 – تحرير الدولة من الهيمنة الطائفية وتحويلها من تجمع لطوائف يتقاسمون السلطة والمكاسب الى دولة مؤسسات تحاكي الحاضر في المفاهيم وتتبنى الانتماء الوطني المنقذ وتضع المؤسسات فوق الاشخاص الذين يمارسون السلطة لانها ليست ملكا لهم.

2 – اصلاح بنية النظام السياسي مع الاخذ بنظر الاعتبار تركيبة البلد الاجتماعية بحيث يستوعب الطوائف والاحزاب والكيانات السياسية وصهرها في كيان الدولة العابرة للطائفية.

3 – تعديل النظام البرلماني وفق اطر تحدد في الدستور والقوانين وبتفويض من الشعب ، مبنية على اسس ديمقراطية بمفهومها الاجتماعي وليس السياسي فقط ،لكي لا تؤدي الى خروج اللعبة السياسية الى ساحة التجاذبات الطائفية ثانية .

4 – اصلاح النظام الانتخابي ليكون العراق دائرة انتخابية واحدة بدلا من دوائر مناطقية متعددة لتجاوز الطائفية المغلقة وتحويل التوازن الطائفي الى توازن سياسي رصين في الداخل لان الدائرة الواحدة تؤدي الى انقسام القاعدة الانتخابية على اساس سياسي وليس طائفي لان الاخير يزيد من عرقلة عمل الدولة ويجعل التوازن اكثر تعقيدا خاصة بعد ان اصبحت العوامل الخارجية الدولية عناصر فاعلة فيه .

وصدق من قال : التقدم والحضارة هما نتيجة جهود عبقرية لا نتيجة ثرثرة الاكثرية.

المصادر:

مجلة نجم بيث نهرين العدد (75 لسنة 2012 ، حقوق رعاية المملكة الآشورية في عصرها الحديث 911 – 612 ق.م ،د. صفوان سامي سعيد / كلية الآثار ، جامعة الموصل .

الفيدرالية والمجتمعات التعددية ولبنان د. عصام سليمان .

الهويات القاتلة / امين معلوف.

zowaa.org

menu_en